سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بناس من اليهود، فقالوا: سَلُوهُ عن الروح؟ فقال بعضهم: لا تسألوه، فيستقبلكُم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم: ما تقول في الروح؟ فسكت، ونزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.
والثاني: أن اليهود قالت لقريش: سلوا محمداً عن ثلاث، فإن أخبركم عن اثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي؛ سلوه عن فِتيةٍ فُقدوا، وسلوه عن ذي القرنين، وسلوه عن الرُّوح. فسألوه عنها، ففسَّر لهم أمر الفتية في الكهف، وفسر لهم قصة ذي القرنين، وأمسك عن قصة الروح، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس. وفي المراد بالروح هاهنا ستة أقوال.
أحدها: أنه الروح الذي يحيا به البدن، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس. وقد اختلف الناس في ماهيَّة الروح، ثم اختلفوا هل الروح النَّفْسُ، أم هما شيئان فلا يحتاج إِلى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شيء من ذلك وإِنما هو شيء أخذوه عن الطب والفلاسفة؟ فأما السلف، فانهم أمسكوا عن ذلك، لقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي}، فلما رأَوا أن القوم سألوا عن الروح فلم يُجابوا، ولوحي ينزل، والرسول حيّ، علموا أن السكوت عما لم يُحَطْ بحقيقة عِلمه أولى.
والثاني: أن المراد بهذا الروح: ملك من الملائكة على خِلْقة هائلة، روي عن عليٍّ عليه السلام، وابن عباس، ومقاتل.
والثالث: أن الروح: خَلْق من خلق الله عز وجل صوَّرهم على صُوَر بني آدم، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أنه القرآن، روي عن الحسن أيضاً.
والسادس: أنه عيسى بن مريم، حكاه الماوردي. قال أبو سليمان الدمشقي: قد ذكر الله تعالى الروح في مواضع من القرآن، فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إِلى موضع لا يليق به، وظنوه مثله، وإِنما هو الروح الذي يحيى به ابن آدم. وقوله: {من أمر ربي} أي: من عِلمه الذي منع أن يعرفه أحد. قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إِلا قليلاً} في المخاطبين بهذا قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، قاله الأكثرون.
والثاني: أنهم جميع الخلق، عِلمهم قليل بالإِضافة إِلى علم الله عز وجل، ذكره الماوردي.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: {ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} [البقرة: 269]؟
فالجواب: أن ما أوتيه الناس من العلم، وإِن كان كثيراً، فهو بالإِضافة إِلى عِلم الله قليل.


قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إِليك} قال الزجاج: المعنى: لو شئنا لمحوناه من القلوب والكتب، حتى لا يوجد له أثر، {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} أي: لا تجدَ من يتوكل علينا في ردّ شيء منه، {إِلا رحمة من ربك} هذا استنثاء ليس من الأول، والمعنى: لكن الله رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. وقال ابن الأنباري: المعنى: لكن رحمة من ربك تمنع من أن تُسْلَبَ القرآن، وكان المشركون قد خاطبوا نساءهم من المسلمين في الرجوع إِلى دين آبائهم، فهدَّدهم الله عز وجل بسلب النِّعمة، فكان ظاهر الخطاب للرسول، ومعنى التهدُّدِ للأمة. وقال أبو سليمان: {ثم لا تجد لك به} أي: بما نفعله بك، من إِذهاب ما عندك {وكيلاً} يدفعنا عما نريده بك. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يسرى على القرآن في ليلة واحدة، فيجيء جبريل من جوف الليل، فيذهب به من صدورهم ومن بيوتهم، فيصبحون لا يقرؤون آية، ولا يحسنونها. وردّ أبو سليمان الدمشقي صحة هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِن الله لا يقبض العلم انتزاعاً»، وحديث ابن مسعود مروي من طُرُقٍ حِسان، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالعلم ما سوى القرآن، فإن العلم ما يزال ينقرض حتى يكون رفع القرآن آخر الأمر.


قوله تعالى: {قل لَئِنِ اجتمعت الإِنس والجِنُّ} قال المفسرون: هذا تكذيب للنَّضْر بن الحارث حين قال: {لو شئنا لقلنا مثل هذا}. والمِثْل الذي طُلِبَ منهم: كلام له نظم كنظم القرآن، في أعلى طبقات البلاغة. والظهير: المُعين.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15